
تشهد الأبحاث المتعلقة بتأثير الشاشات على الأطفال تباينا واسعًا في الآراء ونتائج الدراسات؛ فبعض الدراسات تحذر من مخاطر محتملة على الصحة الذهنية للأطفال نتيجة استخدام الأجهزة، بينما تشير دراسات أخرى إلى عدم وجود دليل قاطع يثبت هذه الأضرار حتى الآن. يأتي هذا في ظل اهتمام عالمي متزايد بتحديد مدى تأثير الوقت الذي يمضيه الأطفال أمام الشاشات، خاصة مع تكرار الجدل حول تأثيراته النفسية والعقلية والاجتماعية.
ويبرز نموذج مؤسس شركة آبل ستيف جوبز الذي رفض السماح لأطفاله باقتناء جهاز الآيباد عند إطلاقه، كمؤشر على المخاوف حتى لدى رواد التكنولوجيا أنفسهم. عدد من الدراسات الكبيرة قام بتحليل بيانات ومعلومات حول استخدام الشباب للشاشات، وأظهرت النتائج تباينًا؛ فمن جهة يرى بعض الباحثين أن الأدلة على تداعيات الشاشات الحادة على العقل والنفسية غير واضحة بالشكل الكافي، ومن جهة أخرى تستند حملات مجتمعيات مثل “طفولة خالية من الهواتف الذكية” في المملكة المتحدة إلى قلق الأولياء، حيث وقع أكثر من 150 ألف شخص ميثاقا لمنع الهواتف الذكية عن الأطفال دون الرابعة عشرة عاما وتأجيل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لما بعد السادسة عشرة.
في ذات السياق، اعتمد العديد من الدراسات على تقارير ذاتية من مستخدمي الشاشات، ما يضعف من دقة النتائج حول الوقت الذي يقضيه الأطفال والمراهقون أمام الشاشات. ومؤخراً، أجرى باحثون من الولايات المتحدة وبريطانيا بحثًا شارك فيه أكثر من 11500 طفل تتراوح أعمارهم ما بين تسع واثنتي عشرة سنة، وتوصلوا إلى عدم وجود ارتباط مباشر بين طول مدة استخدام الأجهزة الرقمية وضعف الصحة العقلية أو القدرة الإدراكية حتى لمن يقضون ساعات طويلة يوميًا أمام الشاشات، بل وأشارت النتائج إلى احتمال أن يشكل استخدام الشاشات حافزًا للصحة النفسية لدى البعض، مع تسجيل أن محاولة حظر استخدام الأجهزة تعزز رغبة الأطفال فيها باعتبارها “ثمرة محرمة”.
ومع استمرار الجدل، نُشرت دراسة في الدنمارك شملت 181 طفلا ومراهقا، وتم خلالها تقليص وقت الشاشة لديهم إلى أقل من ثلاث ساعات أسبوعيا، لوحظ أن هذا التخفيف ساهم في تحسين الأعراض النفسية للأطفال ودعم السلوكيات الاجتماعية الإيجابية، ما عزز أصوات المنادين بتقنين استخدام الأجهزة الإلكترونية.
وتزداد أهمية هذا الموضوع في ظل غياب توصيات طبية متفق عليها دوليا، إذ لا توصي الكلية الملكية البريطانية لطب الأطفال ولا الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بأي حدود زمنية دقيقة تخص وقت الشاشة للأطفال، بينما تحدد منظمة الصحة العالمية ساعة واحدة فقط يوميًا لمن هم دون الرابعة، وتمنع استخدامها بالكامل لمن هم دون السنة، مع التأكيد على عدم توافر أدلة علمية نهائية تدعم أو ترفض ذلك بشكل قطعي، الأمر الذي يعكس استمرار الانقسام في الأوساط المختصة وحضور ضغط مجتمعي متزايد لمطالبة الحكومات بوضع حدود واضحة للاستخدام.
وتبقى الإشارة إلى الجدل حول ما إذا كانت الانبعاثات الضوئية مثل الضوء الأزرق الصادر من الشاشات تؤثر فعليا على جودة النوم عبر تثبيط إفراز هرمون الميلاتونين، لكن دراسات حديثة أجريت في عام 2024 لم تجد ما يؤكد هذا التأثير بشكل قاطع.
ووسط استمرار النقاشات وترقب نتائج علمية أكثر وضوحًا، يرى متخصصون أهمية الموازنة بين الحياة الرقمية والنشاط الواقعي، وإعطاء الأكبرية للحياة الاجتماعية والنشاط البدني، في وقت تزداد فيه حلول الذكاء الاصطناعي والروبوتات الذكية انتشارا لمساعدة الأطفال في الواجبات أو العلاج النفسي، ما يعيد طرح التساؤلات حول آثار الشاشات على الأجيال الجديدة مستقبلاً.