في أوقات الأزمات والحروب، يُثار الجدل حول دور الفن والفنانين في التعبير عن مواقفهم الوطنية والإنسانية. الفنانة اللبنانية إليسا مؤخرًا طرحت رأيًا جريئًا في هذا السياق، مستنكرة الضغوط التي يتعرض لها الفنانون لإيقاف أنشطتهم الفنية كنوع من التضامن في الأزمات. لكن هل يُعقل أن يتوقف العالم عند كل منعطف، وهل تقتصر الوطنية على تعليق الحياة اليومية والمهنية؟ الفن، كما تقول إليسا، هو عمل الفنانين ومصدر رزقهم، ومن هذا المنطلق، يصعب توقع أن يتوقفوا عن العمل كلما واجهت البلاد أزمة. تشبه إليسا هذا السلوك بتوقف المهندسين عن إدارة ورش العمل، أو المحامين عن الدفاع في المحاكم، أو أصحاب المطاعم عن تقديم الخدمات. ومن هنا، تُطرح الأسئلة حول معنى الوطنية وكيفية التعبير عنها بشكل يتماشى مع الواجبات المهنية والشخصية.
في الحقيقة، يمكن للفن أن يكون وسيلة للتعبير عن الوطنية والتضامن الإنساني من خلال مضامينه ورسائله. فالأعمال الفنية التي تتناول الأحداث الجارية يمكن أن تُحدث تأثيرًا كبيرًا في الوعي الجماعي وتحمل في طياتها دعمًا معنويًا وتضامنًا مع القضايا الإنسانية، دون أن يعني ذلك إيقاف العجلة الفنية الفنانون، كغيرهم من أفراد المجتمع، لهم دورهم في دعم وطنهم وقضاياهم العادلة. لكن يبدو أن المطالبة بإيقاف الأنشطة الفنية قد تُعتبر نوعًا من المزايدة الغير مبررة التي تُسقط مفهوم الوطنية في قالب ضيق وتُغفل التأثير الأكبر الذي يمكن أن يُحدثه الفن في نفوس الناس والمجتمعات.
يعني إذا المهندس بيوقف الورشة والمحامي بيوقف مرافعة وصاحب المطعم بيوقف خدمة والمصرفي بيوقف تداولات ساعتها منوقّف شغلنا كلنا. بعز الحرب كانوا الفنانين مستمرين لأنو هيدا شغلنا وهيدي رزقتنا وما رح نوقّف كرمال كم حدا فاشل وفاضي عم يحكي ! ما بقا
حدا يزايد علينا بوطنيتنا ومواقفنا!…— Elissa (@elissakh) October 23, 2023
من جهة أخرى، هناك من يرى أن الفن لا ينبغي أن يكون مجرد مهنة، بل يجب أن يحمل في طياته رسالة أكبر، خاصة في الأوقات العصيبة. وهذه النظرة تتطلب من الفنان أن يكون أكثر من مجرد مؤدي، بل مُحفزًا للتغيير الاجتماعي والمُعبر عن القيم الإنسانية القرار يعود للفنانين أنفسهم في كيفية التعامل مع الأحداث والضغوط المحيطة بهم ربما لا تكون المزايدة بالوطنية هي الحل، لكن يمكن للفنان أن يُظهر التضامن بطرق مختلفة دون التضحية بمهنته أو مصدر رزقه.