
تشهد العديد من مناطق أوروبا ودول حوض البحر المتوسط منذ بداية يوليو ظروفاً مناخية صعبة بسبب موجة جفاف حادة هي الأعنف منذ أكثر من عقد، وذلك بحسب بيانات المرصد الأوروبي للجفاف. ارتفعت نسبة الأراضي المتأثرة بالجفاف إلى ما يفوق خمسة وخمسين في المئة، وهو أعلى رقم يسجل لهذا التوقيت من العام منذ عام 2012، الأمر الذي يثير مخاوف كبيرة حول تأثيرات محتملة على الأمن البيئي والغذائي في هذه المنطقة الحيوية.
وقد كشفت التقارير أن الجفاف الحالي انعكس على الواقع الزراعي وساهم في انخفاض إنتاج المحاصيل الصيفية، خصوصاً الذرة والقمح وعباد الشمس في دول مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، كما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية وضغط إضافي على قطاع الأمن الغذائي لملايين السكان.
اعتمد مؤشر الجفاف الأوروبي التابع لبرنامج كوبرنيكوس على بيانات الأقمار الاصطناعية لقياس مدى انتشار الجفاف، وذلك وفق ثلاثة معايير رئيسية تشمل مستوى هطول الأمطار، ونسبة رطوبة التربة، وحالة الغطاء النباتي. ويصنف المؤشر الأراضي إلى ثلاث درجات تبدأ بمرحلة الرصد، تليها التحذير، وتصل إلى التنبيه التي تعد الأكثر خطورة وتشير إلى تدهور واضح في إمدادات المياه والتوازن البيئي. وتشير البيانات إلى أن مساحات شاسعة من الأراضي باتت بالفعل ضمن هاتين المرحلتين الأخيرتين.
التداعيات السلبية للجفاف لم تنحصر في انخفاض الإنتاج الزراعي فحسب، بل تسببت أيضاً في تعمق أزمة المياه بعد انحسار مستويات الأنهار والبحيرات، وهو ما أدى في كثير من المناطق إلى فرض قيود على استخدام المياه، وفي حالات أخرى اللجوء لإمداد المناطق المتضررة عبر صهاريج متنقلة. كما تسببت درجات الحرارة المرتفعة المصاحبة للجفاف، إلى جانب الرياح الجافة، في اندلاع مئات الحرائق الكبرى في أماكن مختلفة من القارة، خاصة اليونان وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا، ما جعل الأوضاع الطبيعية والإنسانية أكثر تعقيداً.
مؤسسات أوروبية حكومية وبيئية حثت على الاستجابة العاجلة للأزمة من خلال تحديث خطط التكيف مع التغير المناخي، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر، وتحسين استراتيجيات إدارة الموارد المائية، إضافة إلى دعم القطاع الزراعي والاستثمار في حلول وتقنيات الزراعة المستدامة والذكية. من جهة أخرى، يرى خبراء المناخ أن موجة الجفاف الشديدة الحالية تأتي في سياق ظواهر متكررة نتيجة تسارع وتيرة التغير المناخي، حيث ترتفع درجات الحرارة في أوروبا بمعدلات تفوق المتوسط العالمي، مما يجعل القارة أكثر عرضة للأحوال المناخية القاسية مثل الجفاف والحرائق والسيول المفاجئة.