تقبع في قلب جدة الشجرة الأسطورية التي حفظت سرّ الزمن والتاريخ. نتحدث هنا عن شجرة الباوباب، تلك الشجرة المعمرة التي شهدت قرونًا من الحجاج وحكايات الأجداد. فمن منّا لم يسمع بتلك الشجرة التي حكت قصصًا وألغازًا من الماضي تقف هذه الشجرة العظيمة بكل فخر ورصانة، حيث يصل قطر جذعها إلى نحو عشرة أمتار. أغصانها العريضة تتشابك لتمنح الظل لكل من يحتاج إليه. تعد هذه الشجرة من أطول الأشجار في سهول السافانا الأفريقية، حيث تمتد لأكثر من 100 قدم، وهو ما يجعلها مشهدًا يستحق الوقوف عنده.
“الحبحبوه” أو “التبلدي” أسماء عديدة لشجرة واحدة
من المثير للاهتمام أن هذه الشجرة المميزة لديها العديد من الأسماء. تُعرف محليًا بـ “الحبحبوه”، وتحمل ثمرة بشكل صدفي تشبه المثرى، تحيط ببذورها السوداء مادة بيضاء جافة، وهذا المسحوق يُستخدم في الطهي لطعمه الحامض الخفيف. أما على الصعيد العلمي، فتُعرف الشجرة بأسماء مثل “Adansonia” و”baobab”.
وما يزيد الشجرة جاذبية هو القصة التي تحملها بين أغصانها. تعود تلك القصة لحاج قدم من أجل أداء مناسك الحج قبل ما يزيد عن 150 عامًا وبعد أن أتم مناسكه، قرر أن يغرس تلك الشجرة، كونه كان يحمل معه فسلة من بذورها، في تلك الأرض المباركة، لتكون شاهدة على حبه لله وعلى زيارته الطاهرة لبيت الله الحرام.
عندما نتحدث عن الطبيعة وتوازنها وجمالها، فإننا نتحدث عن الأشجار المعمرة التي شهدت مرور العصور وتحديات الزمان. هذه الأشجار، التي عاشت لألفية من السنين، تُعد أحد أغلى كنوز الأرض وأكثرها قيمة.
إحدى هذه الشجر المعمرة التي تأتي من قلب القارة الإفريقية، والتي تنمو في المناطق الإستوائية مثل جنوب أفريقيا، وبوتسوانا، وموزمبيق، ومدغشقر، وغرب السودان. ليس فقط أنها تحمل الجمال والفخامة في تفاصيلها، ولكن هناك ما هو أكثر عمقًا يُظهر أهميتها البيئية.
ما يميز هذه الشجرة هو الفوائد الصحية المذهلة التي تحتوي عليها. فبعيدًا عن الجمال الطبيعي الذي تُضفيه على المكان الذي تنمو فيه، هذه الشجرة تحتوي على مكونات طبيعية تتفوق بقيمتها على العديد من المركبات الكيميائية. وليس هذا فقط، فالأهالي في غرب السودان استفادوا من هذه الشجرة في تخزين مياه الأمطار، فهي تعمل كخزانات طبيعية تحتفظ بحوالي 10 لترات من المياه.
عندما نقترب من المملكة العربية السعودية، نجد أن أمانة جدة قد أخذت بالاعتبار أهمية هذه الشجرة. فبالتعاون مع وزارة البيئة والمياه والزراعة، تُبذل جهودًا للحفاظ على هذه الكنوز الطبيعية والترويج لها كجزء من تراث المملكة. وكل ذلك في إطار مساهمتها في تحقيق رؤية المملكة 2030 ومبادرة السعودية الخضراء.